أعراس حصاد القمح عند المصريين
*******
تحسباً لسقوط هذه الذكريات من ثقوب الذاكرة . أحببت توثيقها .أنا ما زلت أحملها بذاكرتى . لكن عيالى وجيلهم لا يعلمون عن هذا ، بل وكثير غيرهم . إنها أيام مضت ،وصور تغيرت .
*******
يسمونه ذهبهم الأصفر . إذ هو أغلى مزروعاتهم ،وخبزهم ومئونة حيواناتهم . عند ذكره تتسارع إلى الذاكرة أبيات (صلاح جاهين ) الرائعة .
*******
القمح مش زى الدهب .
القمح زى الفلاحين .
عيدان نحيلة جدرها بياكل فى طين .
زى اسماعين ومحمدين.
وحسين أبو عويضه اللى قاسى وانضرب .
علشان طلب .
حفنة سنابل ريها كان بالعرق.
عرق الجبين..
القمح زى حسين يعيش ياكل فى طين.
أما اللى فى القصر الكبير .
يلبس حرير.
والسنبلة .
يبعت رجاله يحصدوها من على.
عود الفقير .
*******
وتكاد تكون زراعة القمح وأغلب الزراعات بمصر كما هى منذ المصريين القدماء حتى سبعينات الألفية الثانية بدء زمن الإنفتاح الإقتصادى. وبدء دخول الآلات الحديثة فى الزراعة . منها آلات الحصاد و(دراس) القمح .
مع ملاحظة التغيير الكبير الذى حدث للزراعة بعد بناء السد العالي بأسوان فى الستينات، وتوقف مواسم فيضان النيل والتى كانت تتحكم عامةً فى مواسم الزرع والحصاد.
*******
الشهور المصرية القديمة وما يوازيها من الشهور الميلادية :-
ومن الطريف أن المصريين يستخدمون نفس الشهور المصرية القديمة كما هى حتى أيامنا هذى عند حسابات الزرع والحصاد . وهى:- (الشهور المصرية القديمة وما يقابلها من الشهور الميلادية )
- توت ويبدأ من الحادى عشر من سبتمبر حتى العاشر من أكتوبر,
- بابه ويبدأ من الحادى عشر من أكتوبر إلى التاسع من نوفمبر.
- هاتور يبدأ من العاشر من نوفمبر حتى التاسع من ديسممبر .
- كيهك يبدأ من العاشر من ديسمبر حتى حتى الثامن من يناير .
- طوبة يبدأ من التاسع من يناير حتى السابع من فبراير .
- أمشير يبدأ من الثامن من فبراير حتى التاسع من مارس .
- برمهات ويبدأ العاشر من مارس حتى الثامن من ابريل .
- برمودة ويبدأ من التاسع من أبريل حتى الثامن من مايو .
- بشنس ويبدأ من التاسع من مايو حتى السابع من يونيو .
- بؤو نة ويبدأ من الثامن من يونيو حتى السابع من يوليو .
- أبيب ويبدأ من الثامن من يوليو حتى السادس من أغسطس .
- مسرى يبدأ من السابع من أغسطس حتى السادس من نوفمبر ,
- نسىء يبدأ من السابع من نوفمبر حتى التاسع من أكتوبر .
*******
ويخص المصريون كل شهر من هذه الشهور، بمثل من أمثالهم التراثية العبقرية . تختص بهذا الشهر وتصفه وصفاً دقيقا . على سبيل المثال :(هاتور أحرت لا تبور ) وهذا يعنى أنه حان الوقت لحرث الأرض وتجهيزها للزراعة . وإلا سوف يفوتك وقت الزرع المناسب وتبور أرضك .
زراعة القمح :-
هنا يحرث الزراع الأرض بآلة المحراث . وهو آلة خشبية .والمحراث تجره الحيوانات . وهكذا يتم تقليب الأرض وتهويتها .
بعد تجهيز الأرض ، يبلل صاحب الأرض البذور التى أختارها فى المساء . وكان لديهم أنواع من البذور يفرقون جيداً بينها منها (النعيجة) وهى القصيرة المكتنزة أو (الهندى )وهى السنبلة الطويلة القوية أما (البلدى) فهى نوع بينهما. لقد اختفت هذه السلالات الآن مثل الكثير من الأشياء الجميلة التى أختفت من حياتنا .
فى الصباح يبذر الزارع البذورمجموعات على مسافات منتظمة ، ثم يروى الأرض .سواء بآلة رفع المياه من الترع ( البدالة أو الشادوف ) أو ماكينات سحب الياه من باطن الأرض (الماكينة الإرتوازى).ولما تنبت النباتات وترتفع ، حوالى شبرين من الأرض ، يقوم الزراع بإستبعاد النباتات الضعيفة من كل مجموعة ،واستبقاء الاقوى نسبيا.
*******
الفريك
حصاد القمح
وفى نهاية أبريل وبداية مايو أو شهر (برمهات) والذى يخصونه بالمثل (برمهات أطلع الخلا وهات من كل الحاجات ) من التراث أى حان وقت الحصاد ، ووقت الفرح الموسمى .
*******
عند إقتراب موسم الحصاد . يزخر السوق الأسبوعى للمدينة بالأدوات الخاصة ، مثل المناجل (جمع منجل) وهوالشرشرة أداة الحصاد اليدوى .وهى شفرة مقوسة ذات أسنان دقيقة ومقبض من الخشب .
وهناك مجموعات الحبال لربط حزم القمح يعكفون على إعدادها من ليف النخيل بطول المتر والنصف . وكذا حاويات صغيرة وكبيرة من سعف النخيل يسمونها (ملقط أو علاقة أو مقطف أو طبق أو باقوطة) كل هذه الآنية التراثية تأخذ طريقها للإندثار لقد أنزلتها الأكياس البلاستيكيه وأحتلت عرشها رغم صداقتها للبيئة .
يشترى صاحب الأرض الأدوات المطلوبة ويتفق مع العدد المناسب من الأنفار كما يتفق مع صاحب الجمال الذى ينقل له محصوله . فى الصباح الباكر يبدا العمل بالحقل . يوزع الأنفار منهم من يحصد ومنهم من يجمع القمح فى حزم مناسبة .
وينتشر الصبيه فى الحقول يجمعون كل سنبلة تفر هنا أو هناك ويسمونه (التصييف ) وينشدون من التراث المصرى (زعق الوطواط ويا الرباط روحوا يابنات مفيش صيفه) فهم يتخيلون ان الطيور الحويطة تزعم وتعلن للصبية ،أن ليس هناك سنابل لجمعها لتنفرد الطيور بالغنيمة وحدها .أما الرباط الذي يضم حزم القمح بالحبال فهو لا يحب أن يعطله هؤلاء الصغار أثناء عمله .
ويجوب الصبية الحقول وطرقات الحقول ومنهم من ينعى حظه لقلة ماجمعه من السنابل فيتشدون من التراث .
(صيفتى ياما ما جابت دشيشة ***** ضربنى الراجل أبو عين خبيثة )
والدشيشة هنا حفنات قليلة من القمح . يتم سلقها ثم تجفيفها ثم دشها بالرحى .ثم طبخها باللبن . وهكذا وبهذه الأهازيج يكسرون شدة الحر وحدة الإجهاد.
وعادة كان بعض أصحاب الحقول يحاول إبعاد الصبية الأغراب لأن بعض الأشقياء منهم قد لا يجمع السنابل الشاردة فقط بل يجور ويختلس بعض السنابل المعدة للنقل.
*******
عند إتمام الحصاد ، يأتى الجمال صاحب الجمال. ولديه الحبال الكافية .ينيخ جماله ويبدأ فى رص الحزم بكل دقة ونظام . .وعادة وأثناء الطريق يرفع عقيرته بالحداء وأداء المواويل . ويقولون أن ذلك يطرب الإبل .
*******
جرون القمح ودراس القمح
يتم إعداد مكان الجرن مسبقا . وعادةً تكون متجاورة . ويتم رص الحزم بعد فكها من الحبال بشكل دائرى : وبنظام شديد بعد ملىء الدائرة الأولى يتم الرص فوقها وهكذا حتى يكتمل رص كل المحصول .
*******
النورج
هنا تأتى المرحلة التالية (دراس القمح بالنورج) وهو آلة خشبية لها شفرات حديدية ومقعد يجرها إثنان من المواشى .وقد يغطون عيون المواشى ، حتى لا تعانى من الدوار. وعلى الكرسى يجلس عادةً أحد الصغار كيلا يشكل ثقلا .
يدور النورج حتى يتم تكسير المحصول بالكامل .بالتأكيد لايتم ذلك فى صمت ، بل ترتفع أصواتهم بالمواويل وأغانيهم التراثية ، ويدور أكثرها حول الشوق للرحلة الخالدة إلى أرض الحجاز ، وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم . تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين .
*******
وفى موسم الحصاد . وساعات السمر كثيرا ما كان حديثهم ،به الكثير من التنافس الإيجابى . إذ يركزون جيداً فى حقل فلان الذى أنتج أكبر كمية من الحبوب ، أو حقل علان الذى أنتج أفضل نوعية من الغلة . ولابد من شراء البذور منه للموسم المقبل .
. ولكن كانت هناك بعض الحوادث المؤسفة . عندما يفقد الجالس على النورج توازنه ، ويسقط بين الشفرات . وقد يصل الأمر للوفاة .
*******
وهنا يتم جمع المحصول في كومة . ويختار صاحب المحصول يوما يتحرك فيه الهواء رويدا رويدا وبمساعدة آلة (المدراه)وهى آلة بيد خشبية طويلة وبكف مجلدة بالجلد ولها حوالى عشر أصابع يملأها ويرفعها فى الهواء . وهنا يطير التبن بعيداً.وتتجمع حبوب القمح معاً .
ويتم نقل المحصول إلى البيت . وهو تأمين لخبزهم ومئونة مواشيهم إلى الموسم المقبل . كل ذلك أو أكثره أنتهى وأصبحت آلات الحصاد والدراس تقوم بالمهمة .و انكمش المحصول وتبدلت سلوكيات الناس .واختفت سلالات القمح.التى عرفها المصريون .هذا من حديث مصر المصريين .
*******
ودمتم بكل خير .
اترك تعليقا