يُحكى أنَّ المصريين هم أول مَنْ أيقظَ الناس للسحور على الطبلة ، وذلك فى بداية القرن الثالث الهجرى .أما فى ستينات القرن الميلادى وقبل ذلك وبعده كان( عم صديق) يجوب حارات البلدة حارةً حارة ، كان ممتطياً حماره وبيدِه طبلته يزفهُ الصغار ،مردداً (اصحى يانايم وحد الدايم ) كان صوتُه الأجش الجهوَّرى كافياً لإيقاظ النوَّام .، يساعده فانوس يتيم وضعيف . لكنهُ يحفظْ الدروب جيداً .كان بعض الناس ينفح (عم صديق) بعض أرغفة العيش (البتاو) وبعض( الغموس) ولكنه أيام العيد الأول والثانى والثالث يمر على البيوت ليأخذ راتبه .هو يقبل الكعك والخبز وحتى بعض الحبوب وياحبذا النقود .

المسحراتى والسحور وليالى رمضان
فى ستينات القرن الماضى إلتقطت الإذاعة المصرية طرف الخيط . وكان لسيد مكاوى فى حلقات المسحراتى صولات وجولات . كلماته تكرر نفسها فى الذاكرة . من منكم ينسى هذه الكلمات (ليالى سِمحة ،نجومها سبحة ) و(رمضان كريم ) التى يَمدها طويلا.من هنا
المسحراتى فى المدينة .
يختلف الأمر قليلا فى المدينة . إذ غالباً يقوم به مجموعة من الشباب . يرددون الأهازيج ذات المذاق الرمضانى ،التي يذكرون فيها فضائل الشهر الكريم .وقرب انتهاء الشهر ، يرددون الأغانى الحزينة لفراق شهر رمضان ،ولا عجب فقد اعتاد المصريون على إعتبار رمضان فرداً من العائلة ، أو واحداً من أعز الأصحاب ، له حضور فى حياتِهم وله غياب . وهذا خاصةً على المستوى الشعبى وبسطا ء الناس .واتذكر من أهازيج الشباب فى وداع رمضان:
(ليه ياعيونى تناموا الليل وترتاحوا
تتلذذوا بالمنام وأحبابكم راحوا )
ولا شك تتذكرون ( ياعين جودى بالدموع وودعى شهر الصيام ) ولعلكم تحبون سماعها من هنا .
ليالى رمضان العامرة .
الأساس فى شهر رمضان ،والذى أُنزل فيه القرآن ،والذى تُتوجه ليلةُ القدر ،هو أساساً للعبادة فوق العادية . والتطهر من التقصير ،والتسابق على تمرين النفس وترقيتها للدرجة الأعلى .وفيه وليس فى غيره أجواء من االمستحيل توافرها ، منها ذرات الهواء المشبعة بصلاة المصلين ، وتلاوة التالين للقرآن ليل نهار ،ودعاء المكلومين ، ورجاء القاصدين وجه الله. ودعكم من دُعاةِ ما شاع وذاع من فوازيرٍ ولهو. اللهم اجعل كيدهم فى نحرهم .
الأسواق فى رمضان.
يبدأ القصيدة مستعيرا بداية إمرئ القيس لمعلقتِه .(قفا نبكى من ْ ذكرى حبيبٍ ......) يقول :
قِفَا نبك منْ ذِكرِ الغلاء المشعللِ
فلستُ أراهُ عن قليلٍ سينجلى
بدكانِ (درويشٍ )أرى كُلَّ حاجتى
ولكن بِأسعارٍ تفوقَ تَخيلِّى
أَمرُ عليهِ كلَّ يومٍ وليلةٍ
ولمَّا يَرانى قادِمًا كم (يبصَّ لِى )
يقول : تعالَ الآنَّ ياعمْ كى تَرى
زبيباً وجوزَ الهندِ بيضاءَ(فُلَّلِى وعندى منَ اللوزِ اللذيذ زكائبٌ
وتين من دمشقٍ وموصلِ
وعندى (تحابيشٌ ) وعندى بندقٌ
تعالَى إلى الدُكان هيا لتدخلِ
وما زالَ يُغرينى بكلِ طريقةٍ
فقلتُ لهُ : رُحماكَ يابن (القرندلى)
فإنى بلا مالٍ ... لأنى موظفٌ
ألستَ ترانى بالحذاء المبهدلِ
وإنى وإن كانت هدومى تهلهلتْ
فما كانَ شعري بالقديمِ المُهلهلِ
وإنى وإنْ كنتُ الفقيرَ بمالِه
فشعرى كما الخنساءِ أو كالمهلهلِ
فَلمْ يفهم الأُمَّى قولِى وفاتَنى
لألعن حظى فى زمانى (المنيلِ)
وايقنَ أنى لستُ منهُ سأشترى
وعدتُ لهُُ يوماً ولكنْ(لفرجةٍ) فأقبلَ مثل الثورِ يسعى لمقتلِى وأشبَعنى شتماً ونادَى صبيَّه
وقالَ له : (هاتِ المقشَّة ياعلى)
فأطلقتُ ساقِى للرياح مسابقًا لأنجو من ضر بِ الرءوسِ وأرجلِ
وأنظر للياميشِ كالنسرِ من علِّ
والسؤال الآن للمهندس ياسر قطامش : ما قولكم فى أسعار الياميش اليوم .؟
ليالى رمضان فى السبعينات وما قبلها
أما أنا فسأحكى لكم ما عايشتُه ورأته عينى . كانت ليالى رمضان الساهرة (بالمندرة ) المضاءة( بالكلوبات )، وهى دار الضيافة الكبيرة التى تجمع العائلة ومن بداية رمضان يستأجرون مقرئ للقرآن .ويوزعون جدول وجبات الإفطار والسحور على بيوت العائلة. كل بيت يقوم بإعداد وجبة لهذا الجمع ، وطيلة الليل يصلون قيام رمضان ويقرأون القرآن . وينشدون المدائح النبوية . وقرب نهاية الشهر ينشدون الأهازيج المتوارثة فى وداع رمضان.
كانت هذهِ الأيام مشبعة بالود، رغم نُدرة الإمكانيات . قبل أن تبدأ حياتنا المُعلَّبة وقبل أن يتم أسر كل فردٍ منا داخل جسده ومعه وسائل التواصل الإجتماعى .
ورغم كل ذلك الأمل دائماً موجود لأن الله موجود . وسأنتظر المسحراتى الذى يوقظ النوَّام الذين أسرفوا فى النوم .
ودُمتم أحبتى بكل خير
اترك تعليقا