يقول البشر منذعهدهم الأول على الأرض . يقولون الكلام ومنه الشعر والنثر والحكمة .ولكن بعض الكلام لأسباب منها المعلوم ومنها المجهول ، ينتشر كما لو كان مدهوناً بمواد سحرية تنشره. ينتشر كما لو أنه نباتات برية لا تخضع لقواعد الزراعة وروتينها . وربما كما يقولون (كاريزما ) .
ابن عروس االساكن فى وجدان المصريين
من هذا الكلام مقتطفات الشعر العامى ، المنسوبة كلها لإبن عروس . وهنا لا تسأل عن التوثيق أو التدقيق ،ولا تسأل عن حقوق الملكية .إنهُ كلأٌ مباح .
منْ هو إبن عروس ؟
يقولون أنه وُلِد فى مركز قوص بقنا. وُلد بقرية مزاتة حوالى منتصف القرن الثامن عشر .عاش فى شبابه حياة اللهو والصعلكة .ويُقال والعُهدة على الرواة أنه أغار على قافلة بها عروس فى هودج ، فوقع فى غرامها وطلبها للزواج ، فاشترطت عليه التوبة . وهنا تغيرت حياته للنقيض . وتاب وأناب بل زهد فى الدنيا ، وبدأ ينشد هذه الأشعار الوعظية (االمقطعات ) التى سماها النُقاد ( فن الواو ) . ويُعد النقاد إبن عروس رائداً للشعر العامى المصرى .
مقطعات من شعر إبن عروس
ما يرقد الليل مغبون
ولا يقرب النار دافى
ولا يطعمك شهد مكنون
إلا الحبيب الموافى .
ومنها.
الندل ميت وهو حى
ما حدحاسب حسابه
وهو كالترمس النى
حضوره يشبه غيابه
ولكنه فى هذه جار كثيراً على النساء . فإن من الرجال من هو خيِّر ومن هو شرير وكذا النساء فيهم وفيهم .لكنه يقول :
كيد النسا يشبه الكى
من كيدهم عدت هارب
يتحزموا بالحنش حى
ويتعصبوا بالعقارب .
أليست فظيعة خيالات ابن عروس.
وهنا يقول مُخاطباً قلبه :
ياقلب لأكويك بالنار
وإن كنت عاشق لازيدك
ياقلب حملتنى العار
وتريد من لا يريدك .
ويقول :
لاتسلك الطرق وحدك
بحر المحبة غوارق
وامشى مع اللى يودك
واترك هوى اللى يفارق .
كما يصف ذوى الأصول الطيبة بقوله .
دايماً على الحمل صبار
اللى أصولة زكية
ويخشى من اللوم والعار
ومن إنكشاف الطوية .
كما يصنِّف النساء كما يراهم وربما كان مُحقاً .ولكنه تصنيف لكل البشر النساء والرجال .
وفيهم كما النور للعين
الله يحيى رباها
وفيهم كالنحلة الزين .
تجيب العسل من شفاها
وفيهم كما هجمة البين
مسكين بغلة اقتناها
وفيهم كالدابة الشين
وريطة على اللى اشتراها
وربما من اجمل ما قال، المقطع التالى والذى استخدمته الإذاعة والتليفزيون المصرى وربما العربى فى مقدمة وختام بعض المسلسلات يقول :
لابد من يوم معلوم
تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
واسود على كل ظالم .
وقوله :
ياقلبى اوعى تعاشر الدون
ولا تكلمه بالاشتراحة
ْتكلمه الكلام موزون
تلقاه يرد بقباحة .
ومن تشبيهاته الطريفة :
مسكين منْ يطبخ الفاس
ويريد مرق من حديدة
مسكين من يعاشر الناس
ويريد من لا يريده
وأيضاً :
اوعى تقول للندل ياعم
وان كان على السرج راكب
ولاحد خالى من الهم
حتى قلوع المراكب .
ويقول فى بدايات زهده .
كسرة من الزاد تكفيك
وتبقى نفسك عفيفة
والقبر بكره يطويك
وتنام فى جار الخليفة
ومن المقاطع المُثيرة للوجع والألم ما يصف تصرفات المصريين أيام الوجود الإنجليزى بمصر ، وكان التجنيد إجبارياً (السُلطة ) للسُخرة ووصف المصريون الحال بأن (الداخل مفقود والخارج مولود ) وكان بعضهم يتفنن فى إحداث عاهة بجسده حتى لا يتم إختياره
يقول :
يازمان منك يكفِّى
يأبو التياب القزيزة
قطعت صابع بكفى
وخسرت عينى العزيزة
ومن أقواله الطريفة وهو يحكى عن حاله عندما كبُر ومات أنداده ولم تعدْ كلمته مسموعة كما كانت حتى من زوجته وعياله يقول :
أنا فى الكبر مات جيلى
وكلمتى بطلوها
أنده على المره (يعنى زوجته ) ما تجى لى
وعيالها تبَّعوها .
وفى رواية الأديب توفيق الحكيم (يوميات نائب فى الأرياف )يردد الرجل الغامض (المجذوب ) فى أحداث القصة بعض هذه (المقطعات ) يقول :من كلمات ابن عروس.
نهيتك ماانتهيت
والطبع فيك غالب
وديل الكلب ما ينعدل
ولو علقوا فيه قالب
وعامةً ابن عروس - ببساطة وتلقائية - احتلت كلماته ذاكرة عموم المصريين وخاصة فى السبعينات وما قبلها . إذ لم تكن الآلات تدخلت فى حياتهم ، فى الزراعة والحصاد ، فكانوا ينجزون أعمالهم فى أوقات طويلة تسمح لهم بترديد مقاطع ابن عروس لقطع الملل وتجديد الهمة . فكان أحدهم يرفع صوته بالغناء ، وربما يردد الآخرون . وربما لو سمعتهم لقاطعت كل الأغانى المستحدثة .
ودمتم أحبتى بكل خير .
اترك تعليقا