أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

بابل وأسرار بابل وسحر بابل

         بابل إنها بابل ياسادة ، بابل السحر والغموض . لو زعمت أنى أستوفى شيئاً من تاريخها فلا ريب أنى خارج منطقة العقل . إنما أذكر عنها قدر ما يلتقط نورسٌ صغير من ماء المُحيط فى المرة الواحدة. بل إنى أزعم أن البشر بكل مكتباتهم لا يملكون تأريخاً دقيقاً موثقاً لهذه الأزمنة . بإستثناء المذكور فى القرآن الكريم عنها، وأيضا الوثائق والمخطوطات التى يحجبها بعض البشر عن عامتهم . وتُعرف بابل بدولة ما بين النهرين أى دِجلة والفرات ،ويعنى اسمُها فى اللغة الأكَدية  (بوابة الإله ) وكانت تُعرف قديمًا ببلاد سومر . والحضارة البابلية تُعد من أعظم الحضارات القديمة . ولها إنجازاتها فى الفلك والرياضات والطب .

          قلتُ لكم لمَّا تذاكرت بغداد زمن العباسيين ، ستظنونى ظفرت بالنسخة الأصلية من كتاب( ألف ليلة ليلة  ) ذو الخيالات الجامحة ، ولكن هذا الكتاب ربما كان نتاجاً وصدى للحياة فى زمن بابل . بل إنَّها مَنْ ألهم البشر هذه الخيالات .ربما تجدون  شيئًا من ذلك فى رواية (أنتيخريستوس ) للكاتب أحمد خالد مصطفى وتجدونها مسموعة من هنا ، وأعِدكُمْ ستواصلون السماع أو القراءة وتتمنون لو أطال وأطال . 

                                                          

بابل وأسرار بابل وسحر بابل

                                 بابل و أسرار بابل وسحر بابل 

          من أين نبدأ الكلام . نحن بصدد الحديث عمَّا يزيد عن ستة آلاف سنة قبل الميلاد ،والأحداث فيها والحادثات أمواجها  هادرة يرتطم بعضها ببعض .هل نتحدث عن الفتي إبراهيم في بحثه عن الإله الخالق وهداية الله له . أم النمرود ملك أطراف الدنيا والذي حاجَّ إبراهيم في ربه ، أم هاروت وماروت وما كان لهما ، أو عن عجائب العالم القديم برج بابل وحدائق بابل المعلقة  ، أم هل نحكى عن نبوخذ نصر والسبى البابلى أو عن الملك سنحاريب وقصره . هل نحكى عن قوانين حمورابى . هل نحكى عن سميرا أميس الملكة الجميلة أو عن كوكب الزهرة الذى يذكرون فى أساطيرهم إنها كانت إمرأة . إنَّه حديثٌ ذو شجون وأىُ شجون .رغم نُدرة التوَّفر والدِقَة لهذه البيانات .

         سأجتهدُ ما استطعت ولكن لن أزعم أنى متيقنة إلا مما وثَقَّه القرآن الكريم .ومن باب الحب والإجلال والِعرفان والولاء أبدأ بسيرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام .

إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام .

       من فروض الصلاة قراءة التشهد (اللهمَّ صلِ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميدٌ مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد )
          وُلدَ ونشأ إبراهيم عليه السلام فى بابل تحديدًا فى أور ، فى عهد الملك النمرود بن كنعان ،حوالى2324 -1850 قبل الميلاد، وهو الشخصية المحورية فى الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام  ، وأبوه آذر صانع الأصنام وعابد الأصنام .
            بدأ إبراهيم بالتَفكُر العميق فيما حوله من سماء وكواكب ونجوم . (فلمَّا جنَّ عليه الليل رأى كوكبًا قالَ هذا ربى فلما أفلَّ قالَ لا أُحب الآفلينْ .فلما رأى القمر بازِغًا قال هذا ربى فلما أفلَ قال لئن لم يهدنى ربى لأكوننَّ من القوم الضالين  . فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إنى برىء مما تُشركون .إنى وجهتُ وجهى للذى فطرَ السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من الُشركين ) سورة الأنعام76-79
          وهدى الله إبراهيم للإيمان به بعد بحثِه وتفُكرِه فدعا أباه أول منْ دعا ،والذى أبى بقسوة وقال (أراغبٌ أنتَ عن آلهتى ياابراهيم لئن لم تنتهى لأرجمنك واهجرنى مليًا ) سورة مريم 46 واعتزل إبراهيم قومَه وما يدعون من دون الله .
          وذات يوم عيدٍ لهم غفل قومُه عن أصنامهم  وكانت فى بهو عظيم ، فحطمَّها وترك أكبرهم حجمًا ووضع عليه الفأس . ولمَّا انتبهوا لذلك اندهشوا وتسائلوا عمن فعل ذلك فأخبر بعضُهم : سمعنا فتىً يذكرهم يُقال له إبراهيم ،وبعدما سألوه أجاب : بل فعله كبيرهم فاسئلوهم إن كانوا ينطقون ، وإذ ذاك أحرجهم ،فقالوا :حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين .وأعدوا نارًا في حفرة عظيمة ، كانت النار تُرى من خارج المدينة وأُلقى فيها بواسطة أداة ضخمة صُنعت خصيصًا.ولكن الله أمرالنار أن تكون بردًا وسلامًا عليه ،وخرج إبراهيم من النار لم تضره وسط ذهول قومه . 
        بعد نجاة إبراهيم عليه السلام من النار ،كانت بينه وبين ملك بابل النمرود بن كنعان بن كوش مناظرة وثقَّها القرآن ( ألم تر إلى الذى حاجَّ إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يُحيى ويُميت ، قال أنا أُحيى وأُميت . قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبُهت الذى كفر . والله لا يهدى القوم الظالمين ) سورة البقرة 258
           أما النمرود هذا فهو مَنْ هو طغيانًا وتجبُرأً ولاحظوا ما وصفه به القرآن (آتاهُ الله الملك ) فهو كما َورَدَ فى السنة النبوية أنه واحد من أربعة ملكوا الدنيا مؤمنان هما سليمان بن داود عليهما السلام وذو القرنين وكافران النمرود وبختنصر. وهنا تنتهى المرحلة البابلية من حياة إبراهيم الخليل عليه السلام إذ يهاجر إلى الشام (إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين )

النمرود ونهاية طغيانه وجبروته

           كانت أيامه عجب أما نهايته فكانت  من أعجب العجب .هو النمرود بن كنعان بن كوش وكما أسلفتُ هو واحدٌ من أربعة ملكوا الدُنيا وهو في القرآن الرجل الذى حاجَّ إبراهيم عليه السلام فى ربه (من المحاججة وإقامة الحجة ) إنَّهُ منْ تحدى الله . 
           يذكرون وفاته حوالي (1638 قبل الميلاد) ولا يحددون مولده فى  أور فى بابل 
ويذكرون سبب الوفاة وعلى غير المعهود على مستوى البشرية كلها سبب الوفاة     بعوضة  نعم لم أكتبها خطأ  إنما سبب وفاة النمرود بعوضة والله يفعلُ ما يريد . وهو أكثر ملوك الأرض إثارةً للجدل ،قالوا هو زاهاك وقالوا الضحاك وهو هو النمرود الذى آتاه الله المُلك فتحدى الله.وهو أول من وضع تاجًا على رأسه يقولون إنه يقلد ملوك الجن . تعلم فنون السحر على يد إبليس مباشرةً بعد أنْ وعده أن يمنحه السُلطة والقوة مقابل أن يكفر بالله ويسجد لأبليس  . ودانت لهُ الدنيا وأصبح له جيش تهتز الأرض تحته. وأعلن نفسه إلهًا للبشر . 
              ذات ليلة رأى النمرود  فى منامه رؤيا عجيبة ، رأى كوكبًا طغى نورُه على كل الكواكب . وهنا فسرها له العارفون بأنه يُولد فى نفس العام يكون هلاكك على يديه .ولذا أمر بذبح كل مولود من الذكور ، إلا أن أُم إبراهيم أفلحت فى إخفاء وليدها عن عيون النمرود حتى كَبُر . وكان ما كان من تحطيم إبراهيم للأصنام ، وإلقاء إبراهيم عليه السلام فى النارونجاته بمشيئة الله ، ثم مناظرته النمرود كما أسلفت وانتصاره عليه وهجرته عليه السلام من بابل إلى الشام .
             بعثَ الله إلى النمرود مَلَكًا يهديه إلى الإيمان بالله إلا إنه أبى واستكبر . ثم دعاه الثانية  فأبى النمرود ثم دعاه الثالثة فأبى كذلك وقال إجمع جموعك وأجمع جموعى . وجمع النمرود جيشه عند طلوع الشمس . فسلط الله عليهم بعوضًا حجب ضوء الشمس، فمص دماءهم وأكل لحومهم وتركهم عظامًا بادية ، أما النمرود فقد دخلت بعوضة فى منخره وظلت كذلك أربعمائة سنة يتعذب بها إذ تثور فيضربوه على رأسه حتى يهدأ الألم وكان قد قضى فى التجبر والطغيان اربعمائة سنة قضى مثلها فى الألم إلى أن هلك . 


برج بابل

            فى أيامنا هذه نُسمى هذه البنايات ناطحة سحاب . وحسب ما وَصف الواصفون  ربما تكون ناطحة السحاب مبنى متواضع بجواره ، فهو عجيبة من عجائب العالم القديم.بناه النمرود ، إذ قرر أن يتحدى إله إبراهيم بعد أن حاجه إبراهيم عليه السلام فى ربه وغلبه بالمنطق والحجة .
            حسب الروايات قاعدة البرج مربعة (إثنان وتسعون مترًا مربعًا )يرتفع عليها برج ، ثم يعلوه برج حتى يصل عدد الأبراج ثمانية . بعضها فوق بعض .أستعملوا فى البناء الطوب اللبن بعد حرقه وألصقوا القوالب بمادة إسفلتية تثبت البناء بعد جفافها .كان لديهم معرفة بعلوم الحساب والبناء . ويُقال لأنه كان ساحرًا سخر الجن فى بناء البُرج .وكان يُحيط بكل الأبراج دَرَج لولبى من الخارج وفى الوسط مقاعد للإستراحة .
          أحبَّ النمرود أن يُعزز مكانته ، ويقيم لنفسه مجدًا دالًا على تكبره ، لكنَّ الله أتى على بنيانه هذا ودمره من القواعد . والكلام حول برج بابل كثير ربما فيه من الحقائق وغالبًا كثير من الأساطير .

حدائق بابل المعلقة

           هى واحدة من عجائب العالم القديم السبع . وتُعد أول تجربة لزراعة النباتات عموديًا .قالوا بناها الملك البابلى نبوخذ نصر الثانى فى القرن السادس قبل الميلاد ، بناها لزوجته ملكة بابل والتى كانت تتشوق للخضرة والزهور بموطنها الأول . يصفها المؤرخون بأنها طبقات متدرجة طبقة ترتفع عنها طبقة .وأن إجمالى مساحتها (14400 ) من الأمتار المربعة . وإرتفاع أعلى طبقة حوالى خمسون ذراع . وممراتها بعرض عشرة أقدام .وكل طبقة محمولة على أعمدة حجرية وأرضية كل طبقة مغطاة بالقصب وعوارض النخيل ، ثم طبقة من القار ، تليها طبقتان من القرميد المُثبتة بالإسمنت فوقها طبقة من الرصاص كى تمنع تسرب الماء من الطبقة الأخيرة التى تحوى التربة اللازمة للزراعة .تُسقى بالماء الذى يسحب للأعلى من النهر  خلال  أقنية لولبية .خاصة . والحدائق مصممة بحيث يتخللها الضوء، وبها إستراحات ملكية .والحدائق مزودة بكل أنواع الزهور والنباتات والأشجار المُثمرة وغير المثمرة .
          والحديث عن بابل يَطُول وإن ذكَّرنى  إنما يُذكرنى بالآية من سورة غافر  (أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة  الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة  وآثارًا فى الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) غافر 82

الملكان هاروت وماروت

          لا ريب إنها القصة التى يتوق إلى سماعها كلُ البشر .وتشرئب أعناقهم للإستزادة من معرفة أسررها . ربما لإنها ذُكِرت فى كل الكتب السماوية فهى حقيقية . وربما لأن غموض السحر رغم أنه موجود يُثير لدى البشر غريزة حب الإستطلاع .
           ففى القرآن .(واتبعوا ما تتلوالشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحدإلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون )الآية 102 من سورة البقرة.
          كان هذا فى بابل عندما ذاع فيها السحر وشاع ، وكثُر السحرة ، وعلت مكانتهم بين الناس  . وهما من الملائكة لا من البشر-حسب اكثر المفسرين -  يُعلمان الناس السحر وهما يذكِّران  بضرره وشره وأن فى تعلمه كفرٌ بالله وأنهما فتنة للبشر وإمتحان لهم .  
         وانقسم المفسرون إزاء هذه المسألة ، فرأى بعضهم أن تعليم الملكين السحر للبشر - بعد التحذير - حتى يفرِّق البشر بين السحر ومعجزات الأنبياء .أى أن السحر من الممكن تعلُمه لعامة البشر -إن رغبوا فيه وكفروابالله والعياذ بالله- أما معجزات الأنبياء فهى أمورُ يختص الله بها من يشاء من رسله وأنبياءه من البشر .وجدير بالذكر أن سحرة فرعون كانوا يعلمون الفرق بين السحر والمعجزة ،لذا سجدوا لله وآمنوا به عندما تلقفت عصا موسى لما حولها الله إلى ثعبان كل ما صنع السحرة ، ولم يلتفتوا إلى ضياع العطايا التى وعدهم بها فرعون ، بل لم يعودوا إلى الكفر والسحر رغم حكم فرعون بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وتعليقهم  مصلوبين . وحتى اندهش فرعون كيف آمنوا دون أن يأذن لهم واتهمهم بأن موسى كبيرهم الذى علمهم السحر . 
         وتبنَّى بعض المفسرين الرؤية التلمودية لقصة هاروت وماروت ولله العلم .
           


                                     ودُمتم احبتى بكل الخير 
        
          


               




 
            
            



       


snabel2021
snabel2021
تعليقات